حبيب سرور (1860 - 1938)
شكل حبيب سرور ظاهرة الفنان الذي احترف الفن وجعله مهمته اليومية، مكرسا طاقته التصويرية لإنتاج اللوحة التي تتجاوب ذوقيا مع الآخر. وشكل أيضا خطا مميزا حينما ركز تقاليد المحترف القائم على تطوير وتربية الطاقات الفنية الواعدة، فلا غرابة ان تنمو وتتفجر في محترفه بالذات الإمكانات الفنية لمصطفى فروخ وصليبا الدويهي ورشيد وهبي، لذلك سيبدو دور الأستاذ أو المعلم هو البداية التي شهدها المحترف اللبناني في أولى مراحله التأسيسية.
ولكن حبيب سرور، الأكاديمي المتمسك بالخط الكلاسيكي العريق، كان أيضا في طليعة الذين مارسوا خروجهم الحر على المألوف والمتداول، وذلك بعد ان عايش تجارب أساسية، إحداها في روما التي انتقل إليها مع أهله عند بلوغه العاشرة من العمر فأتم فيها دراسته الأكاديمية، ثم مصر التي عايش فيها مرحلة مهمة من النهضة الفنية التي عرفتها مدرسة الإسكندرية. أما عودته إلى لبنان سنة ،1890 فقد كرسته فنانا أساسيا وأستاذا يمارس التدريس في مدرسة الصنائع العثمانية.
ينقسم فن حبيب سرور إلى إيقاعات ثلاثة أساسية، ربما أبرزها ذلك الإيقاع التشخيصي لفن البورتريه الذي نجح من خلاله الفنان في خلق قيم قلما كانت مألوفة في لبنان سابقا. وإذا حاولنا ان ندرس الغالبية العظمى من لوحات البورتريه التي رسمها، لوجدناه يركز على العناصر التأليفية المباشرة في الوجه. فهو يصل إلى التشابه التام من خلال منح الحيوية التشريحية للشكل، باعثا اللون كقوة حية تتدفق باتجاه الخارج، ومثيرا حركة سرية في الأنسجة الحية للشكل، فيما سنرى الفنان يذهب صوب القتامة المتعمدة في رسم بقية الأجزاء، وكأنه يلعب على إيقاعات اللون الواحد ومشتقاته. واللوحة عند سرور ليست موضوعا محايدا، بل نقطة ارتكاز تلتقي عندها مختلف المشاعر. ولهذا نجد أن لوحة الطبيعة الصامتة، كإيقاع ثان لديه، هي مجموعة من الأجزاء المرسومة بانبعاث ذاتي مميز للشكل المرسوم، علما بان مجموعة هذه الأشكال سوف يكون نوعا من التوازن الهارموني للقوى. لكن الفنان سوق يشتغل هنا بروح شبه انطباعية مبرزا الاضاءات المركزية المهمة والجوهرية في المفردة. أما الإيقاع الثالث، فقد تجلى في رسمه لشتى المواضيع الدينية والحياتية. وهو عبر الممارسة اليومية لفن الرسم اكتسب مقدرة فذة على الإمساك بالتأليف المتوازن للمسطح التصويري، اذ قلما وجدنا في أي عمل من أعماله ذلك الجنوح لضرب التوازنات العقلانية الدقيقة.
خليل الصليبي (1870 - 1938)
ولد في ضيعة بطلون في جبل لبنان وكان تعلمه الأول بمدرسة الضيعة. انتقل عام 1886 للدراسة في الكلية السورية في بيروت، وقد سميت فيما بعد بالجامعة الأمريكية. وفي عام 1890 سافر إلى انجلترا قاصدا ادنبره، حيث تعرف هناك إلى جون سنجر سارجنت الرسام الباحث عن جمالية الشرق وأسراره. وقد اغتنى هذا الفنان الانجليزي من معارف صديقه اللبناني، وأغناه بالمقابل معرفة بأصول الفن وأسراره.
خلال تلك المرحلة تعرف إلى زوجته كاري رود الأمريكية المتحدرة من أصول جرمانية، فتنقل معها ما بين أمريكا وانجلترا وفرنسا، حيث تعمق بدراسته التقنية اللونية، ولا سيما انه التحق بمحترف بيار بوفيس دو شافان المعروف في الأوساط الفنية الباريسية، كما التقى هناك بالفنان الانطباعي بيار أوجست رينوار.
أما عودته إلى لبنان فقد فسرها العديد من الباحثين بشوق هذا الفنان إلى النور واللون الطافح في وطنه، إضافة إلى حنينه لقريته الجبلية ومواسمها المميزة. العودة إلى لبنان لم تكن انقطاعا عن الغرب ومعطياته، لكنها بداية تأسيس للمحترف اللبناني المفتوح أمام الطاقات الواعدة، وها هو يطلق من محترفه اثنين من مؤسسي التيار الانطباعي اللبناني، إلا وهما عمر الإنسي وقيصر الجميل.
تمتاز لوحة الصليبي بمتانة الضربة وجزالتها اللونية، لكنها تنطوي على وعي بحساسية التوزيع اللوني الفائق، بحيث تندفع التفاعلات الضوئية مع اللون الذي لا يمتلك حدوداً قاسية، لتشكل برمتها شكلاً متكوناً بمكنونات ذاتية تكاد توحي بأنها ألقت ذاتها بذاتها، أي من دون ان يذهب الفنان قاصداً مثل هذه النتائج. هكذا كانت الأشكال عند صديقه "رينوار" الذي اشتهر بهذه الميزة الفريدة، ولدى بيار دو شافان الذي ودع القرن التاسع عشر بكشف لوني يتعلق بلوحة الألوان المكمّلة المستندة إلى خلفية من الضربة الوحشية.
نحن حيال فنان متين يتعامل بثقة مع التأليف الذي يغدو فيه الشكل أسير العلاقات اللونية المتجددة في كل ضربة وزاوية. ولهذا نجد ان لوحة العري - رسم في الغالب زوجته كاري - تقوم أيضا على ذات المعادلة التأليفية حيث التقاء بين قوتين، أحداهما التي تكون مفردة الشكل الطافح بالقوى والعناصر الضوئية، مقابل خلفية ذات امتصاص لوني يخدم حركة وحضور الشكل.
ان لوحة خليل الصليبي هي جزء من صوت صارم ومعاند ينفذ صوب القيم التصويرية مباشرة وبلا توطئة ثانوية. لكنه كمصور واثق لن يكتفي بالصورة التماثلية للشكل، بل يذهب صوب الطاقات الإضافية للون الذي هو القيمة الأكثر أهمية وخطورة.
وهنا لا بد من التذكير بالأمور التالية: أولا: ان خليل الصليبي لم يمارس الفنون الدينية، حيث لم يكن بحاجة لأن يدخل محراب الفن عبر بوابة الفنون التقوية الدينية، ثانياً: بالنسبة للبورتريه نرى أن الصليبي لم يرسم الشخص لذاته أو كبديل للصورة الفوترغرافية، بل باعتباره موضوعا يعبّر فيه من خلال الصورة بما يتجاوز الرسم الذاتي، ثالثاً: الصليبي هو فنان مفصلي في مرحلة التأسيس، فهو كينونة إبداعية قائمة بذاتها تتعامل مع الفن كمعطى إبداعي معزول عن أية جوانب للكسب.
فيليب موراني (1875-1981)
يشكّ العالم الشرقي بالنسبة للفنان فيليب موراني مصدراً أساسياً من مصادر الوحي والإلهام. لذلك تراه يستغرق في عملية الكشف عن أسراره وجمالياته. فاللوحة عند هذا الفنان هي كشف جمالي للمكان الخالد وهي صياغة غنائية عبر التكوين البارع للعين والذوق. وليس غريبا على فنان من هذا الطراز ان يتصف بصفة الانحياز العام للاماكن الاستثنائية التي تحمل رائحة الماضي، ويشكّل وجودها شهادة انتماء إلى تأصيل ما برح العديد من فنانين العالم يسعون إليه.
الأسطورة الشرقية التي رسمها هي حدث في الذاكرة المسحورة باستثنائية الشرق كله. واللوحة التي تدخل كجزء من عملية تجميل المكان المرفه هي أكثر من وجود ديكوري. لذلك ستبدو عملية الصياغة التأليفية في لوحة هذا الفنان مزيجاً من الشاعرية والأداء الانطباعي المعتمد على الغنائية اللونية الدفينة.
إن قوة الأداء ومتانة الوعي التكويني عند فيليب موراني جعلتاه فنانا متمكّنا من الوصول إلى صلب المعادلة الرومانسية التي تقوم على صعود البراعة التكوينية مترافقة مع قوة القصد التصميمي في الرسم الذي هو القيمة التأليفية الأولى. مع ذلك فإن لوحة هذا الفنان التي امتازت بواقعها المشهدي كانت تمتاز، إلى جانب مساحتها الكبيرة، بقدر من السردية الملطّفة. ولكن هل هذه اللوحة الصالونية الكبيرة هي تدوين لذاكرة مرحلة من مراحل البحث المتقدمة في الفن اللبناني؟ أم هي الإعلان الغنائي عن المحتوى الاستشراقي الجاذب لمشرقنا الجميل؟ الآن وبعد أكثر من ثلاثين عاما على رحيل موراني، فإننا نعود لنجد القيمة التأسيسية للوحة شكّلت في عمر وجودها نمطا آخر من أنماط البحث والتأويل عن البدايات المجدية للفن اللبناني.
كان موراني كثير الترحال، واسع الاطلاع، متشعب العلاقات مع الطبقات الثرية، يشكّل حضوره جزءاً من دائرة العلاقات البرجوازية التي تنطوي على أسرار ومفارقات يبدو ان موراني كان يتقنها بشكل جيد، حتى في نظرته إلى لبنان، فهو بالنسبة له جزء من ماضٍ فانتازي جميل يكاد يكون خالياً من كل ما يشير إلى حاضره الصعب خلال تلك المراحل التأسيسية من تاريخ الوطن.
كان يرسم الآخر وفقاً لرغبته هو بالذات في صياغة العلاقة مع هذا الآخر، ووفقا لمفاهيم برجوازية تجعل من الفنان موقعا اجتماعيا يحمل امتيازاته المعترف بها. لذلك فهو الصورة الارستقراطية للفنان الناظر إلى عالمه من كوة شرقية بالغة النقش والجمال.
درس فيليب موراني في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس (1892-1895)، واستقر فيها ابتداء من ،1901 من دون ان يمنعه ذلك من العيش في حنين دائم إلى شرق متخيّل لم يبارحه قط. تميّز بأعماله البانورامية المشهدية الضخمة، ومن أشهرها لوحة إعلان لبنان الكبير في قصر الصنوبر، ولوحة أرز لبنان (400 *300سم) التي مثلت لبنان في معرض باريس العالمي سنة ،1931 ولوحة محمل الحج (300 *400سم) الموجودة في متحف دمشق.
جيل الريادة في المهجر
جبران خليل جبران (1883-1931)
شكّل جبران مداخلة أساسية في ريادة الفن اللبناني، رغم ان غالبية إنتاجه الفني كان في الغربة، وان إطلالته الأساسية الأولى والأهم في لبنان لم تكن عبر حضوره المتحفي القصي في بلدته الجبلية بشري، بل عبر استعادته الشاملة في متحف سرسق في بيروت عام 1999. لذلك أعيد اكتشاف جبران ضمن صيغة السؤال الأساسية حول اتجاهه الرمزي، والمدى الذي يمكن من خلاله التعامل مع اللوحة الجبرانية كجزء من النص الفكري الذي أنتجه. حتى ان العديد من الدارسين تعاملوا مع جبران الكاتب والمفكّر أوسع مما تعاملوا معه كفنان أنتج فنا منعزلاً عن نصه الكتابي. ولهذا السبب فإن البحث عن خصوصية في جبران خليل تتطلب أولا وقبل كل شيء دراسة منابعه الأساسية الأولى، ودراسته الفنية المبكرة.
ففي الغربة الأمريكية نضجت تجربة جبران الفنية، بمعنى ان روح الفن وبداياته، كانت كالبذرة المستكينة، موجودة في داخله. لكنه ومن خلال فلورنس بيرس، المرشدة الاجتماعية لحي الفقراء في بوسطن، المكتشفة الأولى لمقدرته في الرسم، سوف يعايش المحيط الفني المتمثل بالمصور فريد هولند داي الذي اتخذ جبران موديلا للشرقي الروحاني.
في هذه المرحلة التي اقتنع خلالها جبران بخصوصيته الشرقية، برز في وعيه أول التبلورات الرمزية، وذلك من خلال أعمال تخطيطية مبسطة أنتجها بمساعدة الفنانة الانطباعية ليلي كابود باري التي كانت قد درست الفن بدورها على يد الفنان الانطباعي الفرنسي بيسارو.
لكن معرض عام 1904 الذي أقامه جبران في استديو هولند داي، وهو معرض مشترك وليس فرديا، سوف يفتح أمامه فرصة ذهبية تجلّت في التعرّف إلى ماري هاسكل التي تركت إثرها الفكري والإبداعي في حياة وفن جبران.
وفي خلال زيارته إلى لندن وربما قبلها، وبتأثير من ماري هاسكل، يتعرف جبران إلى فن وليم بليك الذي استثار داخل جبران ذلك الجيشان الرمزي الذي تلاءم كلياً مع النص الفكري الذي بدأ يستغرق فيه. فوليم بليك يمتلك في لوحته طاقة إيمائية غير محدودة لها قابلية فذة في خرق الجانب المهم الذي يغلف الذات. انه بحث في الجوانب النفسية بطريقة تصير فيها الصورة هي الفكرة وليس مجرد إيحاء لها.
تبلور الاتجاه الرمزي عند جبران بعد انتقاله إلى باريس وعوالمها الفكرية، ولا سيما ان الحركة الرمزية الفرنسية كانت قد بدأت أوج تجلياتها ما بين 1880 و،1900 حيث قامت كثورة مستحدثة ضد الحركة البر ناسية التي أخضعت الأدب للحقائق العلمية.
لم يرسم جبران اللوحة المعزولة عن خلفيتها الفكرية، ولم ينتج فناً منتمياً لاختباريه روح المحترف، بل حتى من خلال البورتريه الذي أنتجه، نرى في لوحة جبران ذلك الجنوح صوب المحاكاة الغنائية للرمز بحس مرهف، فهو الرسام الذي نفذ العديد من أعماله بالفحم وبأقلام الرصاص مترجما أفكاره وأحاسيسه.
تعرّفنا كلبنانيين إلى جبران بشكل أساسي عبر نصه الفكري. أما كفنان، فإن نتاجه خارج الوطن وعزلة متحفه، بالإضافة إلى الاهتمام الأدبي بالنص الجبراني، كانت عوامل أدت إلى طرحه كاتبا يرسم أكثر مما هو رسام يكتب.
جورج القرم (1896 - 1981)
من مواليد بيروت وهو الابن الثاني لداود القرم الرسام الكبير وأحد الأقطاب المؤسسين، درس الرسم في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس بين 1919 و1921. دعا عام 1928 إلى إنشاء متحف الأثريات والفنون الجميلة لمدينة بيروت وعيّن عضواً في اللجنة التنفيذية المكلفة بالمشروع الذي لم يبصر النور.
أواخر عام 1928 هاجر إلى مصر حيث أسس جماعة المحترف. وفي عام 1936 اقتنى متحف انفرس البلجيكي لوحتين من أعماله، كما نال وسام الاستحقاق اللبناني. وفي عام 1955 انتخب عضواً في الجمعية الملكية للفنون في لندن، وقد عاد ليستقر في لبنان ابتداءً من عام 1956 إلى ان توفي في بيروت يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 1971.
يعتبر جورج القرم من أوائل الفنانين اللبنانيين الذين انفتحوا على المعارض الفردية خارج لبنان وداخله، بين 1935 و،1967 حيث أقام معارض في كل من الإسكندرية، القاهرة، بيروت وبحمدون.
تبدو سيرة جورج القرم مرتبطة كل الارتباط بالإرث الإبداعي والاجتماعي الذي أورثه له والده داود القرم. ويبدو ان خيارات عديدة كانت مفتوحة أمام جورج القرم. فهو بدأ شاعراً أصدر عام 1915 ديوانه الشعري تحت عنوان مع البسطاء وهو عازف على البيانو يكاد يصل إلى مرتبة الاحتراف الموسيقي، وقد أهله ذلك في المسعى الذي بذله لإنشاء المعهد الموسيقي. أما جنوحه نحو الرسم واتخاذه كخيار نهائي له فإن الضرورات المادية هي التي لعبت دورها الأكبر فيه. أسلوبه في الفن غير محدد المعالم، فهو يجنح صوب الترميز في الأعمال التي رسمها ابتداء من عام ،1950 كلوحة خليج جونية أو لوحة الإنسان في الكوكب. لكن مرحلته في الإسكندرية التي سبقت ذلك بربع قرن كانت رصدا للحركة الدائبة في واحدة من المدن المتوسطية الأكثر نشاطاً، ولا سيما ان زوجته ماري بخيت هي ابنة التاجر الاسكندراني المعروف يوسف بخيت.
شكل حبيب سرور ظاهرة الفنان الذي احترف الفن وجعله مهمته اليومية، مكرسا طاقته التصويرية لإنتاج اللوحة التي تتجاوب ذوقيا مع الآخر. وشكل أيضا خطا مميزا حينما ركز تقاليد المحترف القائم على تطوير وتربية الطاقات الفنية الواعدة، فلا غرابة ان تنمو وتتفجر في محترفه بالذات الإمكانات الفنية لمصطفى فروخ وصليبا الدويهي ورشيد وهبي، لذلك سيبدو دور الأستاذ أو المعلم هو البداية التي شهدها المحترف اللبناني في أولى مراحله التأسيسية.
ولكن حبيب سرور، الأكاديمي المتمسك بالخط الكلاسيكي العريق، كان أيضا في طليعة الذين مارسوا خروجهم الحر على المألوف والمتداول، وذلك بعد ان عايش تجارب أساسية، إحداها في روما التي انتقل إليها مع أهله عند بلوغه العاشرة من العمر فأتم فيها دراسته الأكاديمية، ثم مصر التي عايش فيها مرحلة مهمة من النهضة الفنية التي عرفتها مدرسة الإسكندرية. أما عودته إلى لبنان سنة ،1890 فقد كرسته فنانا أساسيا وأستاذا يمارس التدريس في مدرسة الصنائع العثمانية.
ينقسم فن حبيب سرور إلى إيقاعات ثلاثة أساسية، ربما أبرزها ذلك الإيقاع التشخيصي لفن البورتريه الذي نجح من خلاله الفنان في خلق قيم قلما كانت مألوفة في لبنان سابقا. وإذا حاولنا ان ندرس الغالبية العظمى من لوحات البورتريه التي رسمها، لوجدناه يركز على العناصر التأليفية المباشرة في الوجه. فهو يصل إلى التشابه التام من خلال منح الحيوية التشريحية للشكل، باعثا اللون كقوة حية تتدفق باتجاه الخارج، ومثيرا حركة سرية في الأنسجة الحية للشكل، فيما سنرى الفنان يذهب صوب القتامة المتعمدة في رسم بقية الأجزاء، وكأنه يلعب على إيقاعات اللون الواحد ومشتقاته. واللوحة عند سرور ليست موضوعا محايدا، بل نقطة ارتكاز تلتقي عندها مختلف المشاعر. ولهذا نجد أن لوحة الطبيعة الصامتة، كإيقاع ثان لديه، هي مجموعة من الأجزاء المرسومة بانبعاث ذاتي مميز للشكل المرسوم، علما بان مجموعة هذه الأشكال سوف يكون نوعا من التوازن الهارموني للقوى. لكن الفنان سوق يشتغل هنا بروح شبه انطباعية مبرزا الاضاءات المركزية المهمة والجوهرية في المفردة. إما الإيقاع الثالث، فقد تجلى في رسمه لشتى المواضيع الدينية والحياتية. وهو عبر الممارسة اليومية لفن الرسم اكتسب مقدرة فذة على الإمساك بالتأليف المتوازن للمسطح التصويري، اذ قلما وجدنا في أي عمل من أعماله ذلك الجنوح لضرب التوازنات العقلانية الدقيقة